الأحد، 13 يوليو 2025

صفحة في رواية قبل الأوان 

المفتاح

نظرت إلى المفتاح الذي أمامها، وفجأة بدأت تضحك ضحكًا هستيريا، ضحكًا انفلت منها بلا سابق إنذار. حاولت جاهدة كتم الضحك، عضّت شفتيها، ضغطت على أنفها، لكن عبثًا... كانت تضحك وتدمع عيناها، كأنما أصابها مسٌّ من الجنون.

وبعد أن هدأت قليلا، بدأت تستعيد الى ذهنها بعض تفاصيل قصة قديمة ظنت أنها قد نسيتها... قصة مفتاح سحري، وباب مغلق.


 قبل سنوات بعيدة،
كانت تعمل في مكتب واسع، مع بعض الزميلات النشيطات التي كانت تعزهن وتحترمهن. كان لهذا المكتب بابين، أحدهما مفتوح دائمًا وهو باب دخول الموظفين، والآخر مغلق دائمًا حرصًا على "الأمن والسلامة"، وهي جملة كانت تُقال بوقار شديد كما لو أنها تقرأ مباشرة من أحد الدساتير. هذا الأخير كان له باب زجاجي كبير، وخلفه باب حديدي مغلق بإحكام، لا يُفتح إلا بمفتاح، والمفتاح ليس في حوزتهن.

ذات صباح، اندلع حريق بسيط بالقرب من الباب المفتوح، لم يكن شيئا يدعو للقلق الكبير، مجرد رائحة دخان، وشيء من الارتباك. فهرعت الزميلات بعفوية بعيدا عنه، باتجاه الباب الحديدي لكنه كان مغلقا.

الحادث مر سريعًا، لكن فكرة الباب المسدود اشتعلت. طالبن بالحصول على مفتاح الباب ليكون مخرجًا للطوارئ، وهو طلب بسيط، منطقي، لكنه كان معقدا جدًا على النظام الإداري المحكم.

قال المدير المباشر: "فتح هذا الباب ليس من صلاحياتي."

وقال مديره المباشر: " هذا الباب يجب أن يظل مغلقا".

منذ تلك اللحظة، صار المفتاح نكتة يومية، ومادة أدبية لها ولزميلاتها، فصرن يتحدثن عن المفتاح ليلًا ونهارًا، حتى أن إحداهن كتبت قصيدة ساخرة فيه.

ثم جاء يوم اجتمعن فيه مع المدير العام، ولم يكن يرونه إلا في مناسبات نادرة. تحدّث بحماسة عن خطط لتطوير العمل وعن اليات لحفظ الأمن وسلامة الكوادر والمعدات. فاستجمعت شجاعتها، وقصّت عليه الحكاية. صمت قليلاً، نظر حوله، ثم قال بتوتر: "عن أي باب تتحدثين؟"

حين فهم الحكاية. غضب. واستنكر. ثم وعد بحلّ الموضوع.

وبعد أيام قليلة، جاء الخبر المنشود: سيتم فتح الباب!

أخيرًا. وبعد شهور من النضال، فُتح الباب. منذ ذلك الحين، أصبح المفتاح بالنسبة لهن رمزا لكل الأبواب المغلقة التي تنتظر من يفتحها...

بعد أن سكنت ذاكرتها، وعاد جسدها إلى الحاضر، نظرت إلى المفتاح الذي أمامها مجددًا، ثم قالت:

«هذه المرة، لدي المفتاح... لكن أين الباب؟».

...

ر.خ

ملاحظة: الصور المعروضة تم توليدها بواسطة الذكاء الاصطناعي.